الخليج بلا خادمات
سلمان الدوسري
كنت مع أسرتي في مطار أمستردام. كان أمامنا أسرة هولندية تودع خادمتها الفلبينية. كان المنظر غريباً علينا تماماً. رب الأسرة يحمل حقيبة الخادمة. الزوجة تحتضنها وتمسك بيدها طوال الوقت. حتى عندما حانت لحظة الوداع، بكت السيدة الهولندية كثيراً وهي تودع خادمتها وتقبّلها من يمين ويسار، بينما وقف الزوج يحابس دموعه. الموقف أجبرني على الحديث قليلاً مع رب الأسرة. قال إن هذه العاملة المنزلية، وليس الخادمة، قضت معهم أربع سنوات، والآن تغادر إلى بلادها، لذا فهم يشعرون بحزن وأسى لفراقها بعد هذه العشرة الطويلة. أشار الى أنها كانت تصر على العمل 10 ساعات في اليوم، على الرغم من أن القانون لديهم ينظم ساعات عملها بثماني ساعات.. تصوروا تعمل 10 ساعات فقط.
سافرت الخادمة، عفواً العاملة المنزلية، وغادرت الأسرة الهولندية حزينة على فراق رفيقتهم، غير أن الموقف لم يذهب بعيداً طوال رحلتي. تخيلت مئات الآلاف من الخادمات القابعات خلف جدران المنازل لدينا، ولا يدري أحد عن حقيقة ظروفهن المعيشية، هل لدينا خادمة منزلية واحدة تعمل سبع أو ثماني ساعات فقط؟ هل أعطين أجراً إضافياً لقاء عملهن لساعات إضافية كل يوم؟ هل يتمتعن بإجازة أسبوعية؟ ناهيك عن التعامل معهن على أساس أنهن خادمات ولسن موظفات.. هل قلت موظفات!
ما أن تتحدث عن طريقة التعاطي مع العمالة المنزلية، يصر الجميع على أنهم يعاملون خادماتهم أحسن معاملة، وأنهن في جنة مقارنة بما كُنّ عليه في بلادهن، إذن من يقسو عليهن؟.الحقيقة الغائبة أن كثيراً من الخادمات يعاملن وكأنهن موظفات درجة عاشرة، فلا يحق لهن رفض الأعمال أو الاعتراض عليها، بل لا يجوز لهن حتى المناقشة، فالمبدأ هو ممارسة الأعمال الشاقة وغير الشاقة من دون أدنى حفظ للحقوق.
في أحد المجالس تطرق الحاضرون للعمالة المنزلية، وكالعادة فإن الأثرياء هم من يتصدر الحديث. بدأ أحدهم ينظّر عمّا تجده الخادمات لديه من رفاهية لا يجدنها في بلادهن، الأسطوانة المشروخة ذاتها، فلما سكت سألته عن رواتبهن، فقال إنها تصل إلى الألف ومائتي درهم شهرياً! قالها مزهواً. دخله اليومي مئات الآلاف بينما يمنّ على من يقوم بخدمته وأسرته بأقل القليل.
سؤال إلى زوجاتنا العزيزات: لو صحونا ذات صباح جميل على قرار بترحيل كل الخادمات من المنازل في الخليج.. ماهو المقابل الذي ترضى به لتؤدي عمل الخادمة؟ أكاد أجزم أن كل رواتبنا لا تكفي لأن يتحملن جزءاً بسيطاً من عملهن. بل إني أقول هل تخيلت منزلك أيتها السيدة بلا خدم لمدة يوم واحد؟ الإجابة معروفة سلفاً، فخادمات الجيران والأهل هم الحل السريع، فمن يتحمل كل هذا العبء؟.. ونحن نستكثر على خادماتنا بأقل القليل من المال ومن المعاملة الحسنة. لايزال موقف الأسرة الهولندية ماثلاً أمامي، وأقول لنسائنا العزيزات.. من منكنّ تحتضن خادمتها عند سفرها أوقدومها.. الإجابة معروفة سلفاً.. لا أحد.
سلمان الدوسري
كنت مع أسرتي في مطار أمستردام. كان أمامنا أسرة هولندية تودع خادمتها الفلبينية. كان المنظر غريباً علينا تماماً. رب الأسرة يحمل حقيبة الخادمة. الزوجة تحتضنها وتمسك بيدها طوال الوقت. حتى عندما حانت لحظة الوداع، بكت السيدة الهولندية كثيراً وهي تودع خادمتها وتقبّلها من يمين ويسار، بينما وقف الزوج يحابس دموعه. الموقف أجبرني على الحديث قليلاً مع رب الأسرة. قال إن هذه العاملة المنزلية، وليس الخادمة، قضت معهم أربع سنوات، والآن تغادر إلى بلادها، لذا فهم يشعرون بحزن وأسى لفراقها بعد هذه العشرة الطويلة. أشار الى أنها كانت تصر على العمل 10 ساعات في اليوم، على الرغم من أن القانون لديهم ينظم ساعات عملها بثماني ساعات.. تصوروا تعمل 10 ساعات فقط.
سافرت الخادمة، عفواً العاملة المنزلية، وغادرت الأسرة الهولندية حزينة على فراق رفيقتهم، غير أن الموقف لم يذهب بعيداً طوال رحلتي. تخيلت مئات الآلاف من الخادمات القابعات خلف جدران المنازل لدينا، ولا يدري أحد عن حقيقة ظروفهن المعيشية، هل لدينا خادمة منزلية واحدة تعمل سبع أو ثماني ساعات فقط؟ هل أعطين أجراً إضافياً لقاء عملهن لساعات إضافية كل يوم؟ هل يتمتعن بإجازة أسبوعية؟ ناهيك عن التعامل معهن على أساس أنهن خادمات ولسن موظفات.. هل قلت موظفات!
ما أن تتحدث عن طريقة التعاطي مع العمالة المنزلية، يصر الجميع على أنهم يعاملون خادماتهم أحسن معاملة، وأنهن في جنة مقارنة بما كُنّ عليه في بلادهن، إذن من يقسو عليهن؟.الحقيقة الغائبة أن كثيراً من الخادمات يعاملن وكأنهن موظفات درجة عاشرة، فلا يحق لهن رفض الأعمال أو الاعتراض عليها، بل لا يجوز لهن حتى المناقشة، فالمبدأ هو ممارسة الأعمال الشاقة وغير الشاقة من دون أدنى حفظ للحقوق.
في أحد المجالس تطرق الحاضرون للعمالة المنزلية، وكالعادة فإن الأثرياء هم من يتصدر الحديث. بدأ أحدهم ينظّر عمّا تجده الخادمات لديه من رفاهية لا يجدنها في بلادهن، الأسطوانة المشروخة ذاتها، فلما سكت سألته عن رواتبهن، فقال إنها تصل إلى الألف ومائتي درهم شهرياً! قالها مزهواً. دخله اليومي مئات الآلاف بينما يمنّ على من يقوم بخدمته وأسرته بأقل القليل.
سؤال إلى زوجاتنا العزيزات: لو صحونا ذات صباح جميل على قرار بترحيل كل الخادمات من المنازل في الخليج.. ماهو المقابل الذي ترضى به لتؤدي عمل الخادمة؟ أكاد أجزم أن كل رواتبنا لا تكفي لأن يتحملن جزءاً بسيطاً من عملهن. بل إني أقول هل تخيلت منزلك أيتها السيدة بلا خدم لمدة يوم واحد؟ الإجابة معروفة سلفاً، فخادمات الجيران والأهل هم الحل السريع، فمن يتحمل كل هذا العبء؟.. ونحن نستكثر على خادماتنا بأقل القليل من المال ومن المعاملة الحسنة. لايزال موقف الأسرة الهولندية ماثلاً أمامي، وأقول لنسائنا العزيزات.. من منكنّ تحتضن خادمتها عند سفرها أوقدومها.. الإجابة معروفة سلفاً.. لا أحد.